الثلاثاء، 1 نوفمبر 2011

بَحَرُ الضَيَاع


أحلامٌ وكوابيس تجّتاحُ عالمَ يُوِسِفُ ذَاكَ الفَتىَ الفَقِير بِإِسْمِهِ الجَمِيل الذي لا عزاء له ,ذلك العَالَمُ المَجْهُول بِأَسْرَارِهِ الذِي لاَ يَسْتَطِيعَ الإِنْسَانَ العَادِي مُجَارَاة أَحْدَاثِة إِلا بِفُرْشَاةٍ مُرْهَفَةِ الإحسَاس ,والهروب من هاجسّ الضياع,
كَـ ومِيضّ يجْرَحّ الأُفُقْ بـِ لحظَتِه لـِ يَغيبَّ مُطْمَئِنآ لأنهُ وجدَّ أُفقآ يلْحدُه مِنْ بَحرِ الضَّياعْ ..


فُصولٌ وَهُمُومَاً مُتَعَدِدَة تُلازِمُ ذَاكَ الفَتَىَ عَلىَ خَشَباتِ مَسْرَحّ تَتَاوَرَىَ لِي كَالزَفَراتِ بِمُسْتَشّفَىَ وَكَأنَّهَا مَطَبَاتِ الضَيَاع ..
دَراهِمٌ مَرْمِيةَ عَلىَ وَجْهِهِ .. أحْسَنْتَّ التَمْثِيل يَا بُني
وَآخَرُ يَضْحَكُ يَسْتَهْزِيِءُ بِطَرِيقَتِهِ مِنَّ التَمْثِيل وَيَرْمِي عَلَيهِ نُقُوداً
يُغْضِبُني .. وَلَكِنِي فَقِير ..!
ذَاكَ الذِي يُحَاوِرُني عَلىَ خَشَبَةِ مَسْرَح .!
أُخْرُجّ مِنْ هُنَا .. أُرِيدُ شَخْصَاً آخَر
وَالجُمْهُورُ أقْنِعَةٌ تَضْحَكُ مِنْ كَراسِي لِدُموعِ النَّاس
ضَحْكَاتٌ مَعْطُوبَة أرَاهَا تُنْكِسُني
أخْشَىَ الإنْهِيارُ مِنْ هُنَا
فَقَدّ حَانَ مُوعِدُ رَحِيلِي مِنْ عَلىَ خَشَبَةِ مَسرَح
يَتِيمٌ فَقَدَ وَالِدَه بِحَادِثٍ ألِيم
يَتِيمٌ يَطْمَحُ بَأن يَكُونَ دُكْتُوراً كِي يُعَالِجُ أمُهُ المِسْكِينَة التِي عَجِزَ الأطِبَاءَ عَنْ عِلَاجِهَا
يَتِيمٌ يَعْشَقُ التَمْثِيلَ والمَسْرَح كِي يَجْنِي مَالاً لِيُدْخِلَ أًخْتِهِ كُلِيَةَ التَصْمِيمَ
يَتِيمٌ فَقِدَ وَالِدَهُ عَلىَ خَطِ صُحَارَ حِينَما كَانَا يَمْشِيَانَا عَلىَ الكُورْنِيش حِينَمَا جَاءَت سَيَارَةً مُسْرِعَة صَدَمَتْهُمَا أوْدَت بِحَيَاة وَالِدِهِ وَبَقَيَ هُو عَلِيلاً بِالمُسْتَشَفَى .
يَتِيمٌ جَمِيلاٌ وَإِسْمٌ جَمِيل إعْتَادَ مِن أُمِهِ بِقَوْلِهَا أنْتَ جَمِيلاُ يَا يُوسِفُ
يَتِيمٌ خَسِرَ دِرَاسَتُه مُثَقَلاً بِهُمومِهِ فَقَدّ رَحَلَتَ وَالِدَتَه وَبَقىَ وَحِيدَاً مَعْ أُخَتِهٍ ألَّتي أنْهَت دِراسَتَهَا الجَامِعية .

وَهُنَا البِدَايَة ..
أكتبُّ كِتابيَّ بعدَما طالَّ عَزائِيَّ ,بِزمام قلميَّ الناطِق عني في بَحرِ الأهوالِ والأحْلامِ ..وامْزُجٌهُ بـِ دُمُوعٍ حَائِرَة وبـِ حُروفٍ قَديمَة اسْتشْعرّتُ بِمحّياهَا ,فجلسْتُ واجمآ وأنفاسي تكاد تنقطع في تمايلها ..وكأنها تُناشدني الكِتابة بـِ أوْصالِها ..
  
كَعادَتَي .. أخرجُ يوميآ من الصباحِ الباكرْ للعمل ,وأعود مع المساءَ كشمْسٍ مُرْهقةٍ ,عليِّها أن تُنْجْزّ دورَتِها اليومية مهْمَا حدث ,وتئُّوبُ مع المساءَ في إغْفاءَه قصيرَة ,وتُعاوِدْ حرَكتِها في صيِّرورَة مُتفانِيَة ..وذاتَ ليلة بين صمْتٍ وانْدِهاشّ ,بين زفيرَّ حرْفٍ اغتالَ حُلْمي ومَلاذي الذي عَشِقْتهُ بـِ لحْظَةِ ألَمْ ..شَعرتُ بِرعْشةٍ تعْتَري بـِ جسَدي ,وبِشيءٍ يجْتَثُ أعمَاقي ,يُحاوِلْ حبْسِي في زوايا غامضة رهِيبة ,تقْشَعرُ بِها الأبدان ..!!
حينَّ سَقطَتّ فِكرَة غَامِضَة ضَارِبَة في قَاعِ جُمْجُمَتي .!


وقَبْلَّ أن تنْضِجْ الفِكرة التي حلتْ بِرأْسي كُنتُّ قدَّ عبِرتَّ مُنْحنياتَ حُروفي كسيرة الحَال ..كُنتُّ حِينَها أتأمَّلُ النُجومِ وهي تَسْبَحُ بِفضَّتِها على أعْيُّنْ النَاسّ ..إذْ كان الليلُّ مُسْتَبْشِرآ بـِ بدْرِة الَّذي إكْتَملَّ وتَدْلَّىَ كـَ قِنْديلّ مُتوهِّجْ ,قللَّ وِطْأةَ العِتْمةِ الرابِضَة بين الأزِقَة ,ومحا وحشة المنحنيات الضيقة لغرفتي ..خُطىَ تسّبِقُني إلى المَجْهُولّ ..عَبراتٌّ تخْنِقُني وَأهاتٍ مَكْبُوتَه تجْرَحُني ..رُعبّ هزَّ كُلِ جَوارحي ,فهَبَبْتُّ في نفْسِي ودَخِلْتُّ غِرْفَتي مُسْرِعآ ,هارِبآ منْ عالم الأسْرِ والْحِيرَة وضيَاعِ الْفُرْصَة الأخِيرَة ..إلى عالم الخيرِ والإيمان والثِقَةِ بـِ الله تَعالىَ.

كانتَ أُمْنِيتَي الْوحِيدَة كَسِر حَاجِزْ الْيَأْسِ والبحثّ عن الأملَ ,عن المستقبلَ ولوّ بـِ طَرْفةِ عَيِّن .
نَظَرتُ إلى نافذتي .. حدقْتُّ في قلبِّ ذَلِك الَّلِيلَ .. سِرْتُّ في أعْمَاقِ الظِّلْمَة بَحْثآ عنّ الْمَصِير رُبَما عنِّ الْمُسْتحِيلّ .


.. تأملْتُ النُجومّ وهِي تَسْبَحُّ بِعَالَمِها الْوَضَاء ,لَمْلَمْتُ عَلى كُتُبي ونَثَرَتُ حِبْري فِي دَفْترِ مُلاحَظَاتِي عَلَّنِي أنْسَى وَأُرِيحَ قلْبِي مِن يَأْسِه ,تَصفَّحْتُ بقايَا ألَّمِي الَّذي لاَ حَوْلَّ لَهُ وَلاَ قُوَة عَلى مُجَاراةِ أحداثَّ يَوْمِياتِه فـَ وَجّدْتُها حزِينَة وحِيدَة تَكْسِرُ الْخَاطِرْ ,وَمُلْتَهِبَة تَخْنُقُها الأيَام بِحُلُولِ الظَّلامْ.


بَحْرُّ الضَّيَاعْ ..كَلِمَاتٌ مِنْ حُروفٍ مُبَعْثَرة ..وَإحْسَاسٌ غَريِبْ مَجْهولّ يَسّرِقْ في صَرّفِ ضَوّءِه تِلْكَ النُّجُومّ ,التي تَسّبَحْ بـِ فِضَتِهَا فتبْدُو الأشْيَاءَ واضِحَة ظاهِرة ,ولكِنْ في جُعْبَتِهَا ألاَمٌّ جَمَّة تَحْكِي أُسْطُورَةِ إنْسَانٌ مَلِيئَ بـِ ألأَلآمْ ,حروفٌ تناثَرَتَها الألْسُنَ من القِيلِ والْقَالِ بِدايَة ,وكَلِماتٌ مَزَجَتُهَا مِنْ مُعْجَمِ الْحَياةِ بِرَحِيقِ الْوِجْدانِ رُوايَة ,أنثُرُهَا عَلى مَا تبقَى مِنَ حياةِ إنْسانٍ يُصَارِعْ الضَيَاعْ في بَحْرِ الضّيَاعْ ,وَأُبَرِوزُهَا بـِ لوّحَةِ فَنانٍ يمْزِجُ ألْوَانَه بـِ ريِشَةِ الْأَحْزانْ ,وبِحُروفِي الَّتِي أمْزُجُهَا بـِ لَوْنِ الْأَنِينّ لـِ تَكْتُمْ إحْسَاسَهَا الْأَخِيرّ ,وِسْطَّ خَلْجَاتِ سُّطُورٍ مُبَعْثِرَة وحُروفٍ مُتَوَهِّْجَه لِلْحَياه .


ولكِنْ مَا عسَايَّ أكْتُبْ .............؟؟


أأكتُبُّ الْآهَاتِ وأحْفُرُهَا عَلى رمِلِ الْوفَاءِ والصِّدقْ ,أمَّ أرْسُمْ قوارِبْ ذِكْرياتٍ قدِيمَة وَتبادُلْ هَمَساتِ عُشِّاقٍ أضّنَاهُمْ البُّعُدْ ,وَبسماتٍ مُفْتَعِلَة تبْنِي عَلى عَلاقَاتٍ غَامِضَة وكَأنَّها دِرَامَا حَقِيقِيَه ,وِلَكِنْ إلىَ مَتىَ سَأظلُّ أنْزِفّ ؟! ..
إلى متىَ وشمْسِي محْجُوبَة ,وعن رُؤَى النَّاسِ مَحْرُومَة ؟!


إلى متىَ وحرُوفي مَعْزولَة وجَمْهَرةِ ضَبَابي تنْهَشُنِي بـِ الْحِيرَة .....!!!


أسّأِلَه تَنْهارُ كالسِّيَاطِ فوقَ جَبِينِي وكأنَّهِا لدْغَةُ الْحِكَايَة ........!!!!!

سأنزفُ للبَحْثِ عنِ الْمُسْتحيلّ عنِ الأمَلّ ..
سَأنزُفْ ما دامَ هُناكَ بصِيصٌ مِنَّ الأمَلّ ..
سَأنْزُفْ لأُرْوِي عَطشِي وَأُفْرِغْ مَا فِي جُعْبَتِي منْ حَرْفٍ عَانَقَتْ لـِ أجْلهِ الثَّرِيَا لـِ بَوْحِه ..سأنزُف بـِ هذهِ الحُروف المُتواضِعة التي تَنْفِضْ أرْدِيَتِهَا الْبِّيضَاءَ ,وتتَشَعْبّ خَطَواتِها فِي سِباقٍ مَحْمُومْ ,وتنْدَسُ هُنا وهُناكَ وكَأنَّهَا تلْعَبْ لُعْبةِ الإِخْتِبَاءِ معَ كَاتِبَها ,لـِ يَعودَ الصَّمتِ فَتِيآ مُتَأهِبآ لـِ إِسْتِقّبَالِ إحْسَاسٍ غَريبّ ,إحْساسَ تَعْجَزّ حُروفِ الشِّعْرِ عنّ تَرْجَمَةِ مَشَاعِرِه ..إحسَاسَ يَسْكُنّ أعمَاقِيَّ الْبَاكِيَة إِلى روَائِحْ الْخَيِرِ والثِّقَةِ بـِ الله تعَالىَ .


والْحقِيقَة أنِي سَأبْقَى فِي هذهِ الْحَيَاةِ وحيِدآ ,كَـ آنِيَة أُفْرِغُ مَاءَهَا ,تَستَقْبِلّ الْغُبَارَ والْهَواءِ الْعَابِرّ مِنْ بَحْرِ الضَّيَاعِ ,ما لَمْ أجِدّ مَنّ يُغيِرْ قَامُوسَ حَياتِي لـِ مَجْراهُ الصَّحِيحّ .


وَحْيٌّ مِنْ نَبْضِ الْقَلَمْ


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق